قراءة قانونية في ضوء التشريعات الحديثة
مقدمة
يشهد قطاع الامتياز التجاري (الفرنشايز) في دولة الإمارات العربية المتحدة نمواً متسارعاً، مدفوعاً بالانفتاح الاقتصادي والتطور التشريعي الذي يهدف إلى تعزيز بيئة الاستثمار وضمان التوازن بين مصالح المستثمرين المحليين والأجانب. ورغم عدم وجود قانون اتحادي خاص ينظم عقد الفرنشايز بصفة مستقلة، فإن المنظومة القانونية الإماراتية تقدم إطاراً متكاملاً ينظم هذا النوع من العقود من خلال عدة تشريعات ذات صلة.

المفهوم القانوني للفرنشايز في التشريع الإماراتي
لم يُعرّف القانون الإماراتي الفرنشايز تعريفاً مستقلاً، إلا أن القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2022 بشأن تنظيم الوكالات التجارية تضمن إدراج “الفرنشايز” كأحد الأشكال المشمولة ضمن مفهوم الوكالة التجارية، بشرط وجود علاقة تمثيل داخل الدولة يقوم فيها الطرف الممنوح بتوزيع أو بيع منتجات أو خدمات لصالح المانح مقابل ربح أو عمولة. وهذا التصور يُخضع عقد الفرنشايز – في حال توفر شروط معينة – لأحكام قانون الوكالات التجارية، خاصة إذا كان العقد يتضمن شرط الحصرية وكان الطرف الممنوح مملوكاً لمواطن إماراتي أو شركة عامة مساهمة.
الإطار القانوني الحاكم لعقود الفرنشايز
ينظَّم الفرنشايز في الإمارات من خلال مجموعة من القوانين ذات الصلة، في مقدمتها:
- قانون الوكالات التجارية الاتحادي رقم 3 لسنة 2022، الذي يُعتبر المرجع الأساسي إذا تم تسجيل عقد الفرنشايز كوكالة تجارية حصرية.
- قانون المعاملات المدنية رقم 5 لسنة 1985، الذي يُحتكم إليه في الجوانب العقدية العامة وخاصة من حيث مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود.
- قانون المعاملات التجارية رقم 50 لسنة 2022، الذي ينظم العلاقات التجارية بين الأطراف، ويسري على الفرنشايز متى كان النشاط ذا طابع تجاري بحت.
- قانون العلامات التجارية رقم 36 لسنة 2021، والذي يُعد أساساً لحماية العلامة المستخدمة في الامتياز.
- قانون حماية البيانات الشخصية رقم 45 لسنة 2021، الذي يُلزم أطراف الامتياز بالتقيد بضوابط صارمة في جمع واستخدام بيانات العملاء.
- قانون المنافسة رقم 4 لسنة 2012، الذي يحد من الممارسات الاحتكارية مع استثناء خاص للوكالات التجارية المسجلة.
- قانون ضريبة الشركات الاتحادي رقم 47 لسنة 2022، الذي يخضع إيرادات الامتياز للضريبة الاتحادية عند تجاوز الأرباح حد الإعفاء.
تسجيل عقد الفرنشايز كوكالة تجارية: متى ولماذا؟
إذا تضمن عقد الفرنشايز عنصر الحصرية وتم منحه إلى طرف وطني مؤهل، يمكن تسجيله لدى وزارة الاقتصاد كوكالة تجارية، مما يمنح الممنوح حماية قانونية قوية تشمل منع الاستيراد الموازي، وأحقية التعويض عند الإنهاء غير المشروع، وخضوع المنازعات لاختصاص لجنة الوكالات التجارية.
أما في حال عدم تسجيل العقد، فيظل عقداً مدنياً أو تجارياً يخضع لقواعد العقود العامة، ويمنح الطرفين حرية أكبر في التفاوض والإنهاء، ولكن دون التمتع بالحماية الخاصة المقررة للوكالات التجارية.
الفرنشايز في المناطق الحرة: DIFC وADGM
يتميّز مركز دبي المالي العالمي (DIFC) بقانون خاص بالفرنشايز صدر عام 2020، يُلزم الأطراف بكتابة العقد وتضمين الإفصاحات الجوهرية، مثل الرسوم، آلية التدريب، ونموذج العمل. لا يشترط هذا النظام تسجيل العقد، كما يتيح حرية اختيار القانون الواجب التطبيق ومكان تسوية المنازعات.
أما في سوق أبوظبي العالمي (ADGM)، فلا يوجد قانون خاص بالفرنشايز، بل تُطبق مبادئ القانون الإنجليزي العام، ويُعتد بصياغة العقد والتزامات الطرفين كمرجع رئيسي.
الملكية الفكرية وحماية العلامة التجارية
تشكل العلامة التجارية محور العلاقة التعاقدية في أي اتفاق امتياز، لذا يتعين على مانح الامتياز تسجيل علامته التجارية في الدولة وفق قانون العلامات، وتوثيق تراخيص الاستخدام لضمان حمايتها تجاه الغير. كما يجب إدراج شروط الاستخدام وضوابط الحفاظ على السمعة التجارية ضمن العقد لضمان التشغيل الموحد.
الالتزامات المتبادلة بين المانح والممنوح
يُفرض على مانح الامتياز تقديم الدعم الفني والتدريب والتسويق، وضمان توفير المواد والمواصفات التشغيلية، في حين يلتزم الممنوح باتباع المعايير والتعليمات، والامتناع عن الإضرار بالعلامة أو مخالفة نظام التشغيل.
ومن المبادئ الأساسية التي تحكم العلاقة بين الطرفين في جميع الأحوال “حسن النية” أثناء التفاوض، وأثناء تنفيذ العقد، وهو مبدأ منصوص عليه في المادة 246 من قانون المعاملات المدنية.
القيود التنافسية وشروط الحصرية
تُعدّ القيود التنافسية مثل الحصرية وعدم التعامل مع المنافسين مشروعة في عقود الفرنشايز، شريطة ألا تخل بمبدأ المنافسة العادلة، وألا تتعارض مع أحكام قانون المنافسة، باستثناء الوكالات المسجلة التي تتمتع بحماية خاصة.
الأثر الضريبي على عقود الفرنشايز
تخضع رسوم الامتياز (الرويالتي) لضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%، كما تُحتسب عليها ضريبة الشركات بنسبة 9% في حال تجاوز الأرباح السنوية حد الإعفاء البالغ 375,000 درهم. وينبغي للطرفين إدراك الأثر الضريبي عند هيكلة الامتياز وتحديد هوية الجهة المُحَصّلة للرسوم.
الإنهاء وتسوية المنازعات
تختلف أحكام الإنهاء تبعاً لطبيعة العقد. فإذا كان عقد الفرنشايز مسجلاً كوكالة تجارية، فلا يجوز إنهاؤه إلا بعد إشعار مدته سنة أو نصف مدة العقد (أيهما أقصر)، أو لسبب مشروع، وتختص لجنة الوكالات بنظر النزاع قبل الإحالة للتحكيم أو المحاكم.
أما في حال عدم التسجيل، فيُرجع إلى نصوص العقد، ويكون القضاء أو التحكيم هو المرجع، حسب الاتفاق.
في مركز DIFC، تُعالج المنازعات وفق قانون المركز، ويمكن اللجوء إلى المحاكم المالية أو إلى التحكيم بموجب اتفاق الطرفين.
إصلاحات جوهرية في القانون الجديد للوكالات (2022)
أدخل المشرع إصلاحات هامة على بيئة الفرنشايز، منها:
- السماح للشركات الأجنبية بالحصول على وكالة تجارية مباشرة في حال عدم وجود وكيل وطني.
- تيسير إجراءات الإنهاء بعد منح فترة إخطار واضحة، مع تقنين التعويض ليشمل الضرر الفعلي فقط.
- منح الوكالات المسجلة قبل يونيو 2023 فترة انتقالية تصل إلى عامين أو عشر سنوات، بحسب طبيعة الاستثمار.