مع دخول المرسوم بقانون اتحادي رقم (41) لسنة 2024 بشأن الأحوال الشخصية حيّز التنفيذ في أبريل 2025، شهدت الدولة تطورًا تشريعيًا نوعيًا يرسخ مبدأ “المصلحة الفضلى للطفل” كأساس محوري لتنظيم الحضانة، ضامنًا توازنًا دقيقًا بين حقوق الوالدين ومتطلبات الرعاية المتكاملة للمحضون.

أولًا: مفهوم الحضانة وامتدادها القانوني

جاء تعريف الحضانة في القانون الجديد أكثر شمولية، حيث نصت المادة (112) على أنها: حفظ الولد وتربيته ورعايته والقيام على مصالحه بما لا يتعارض مع حق الولي في الولاية. وكرّس المشرّع من خلال ذات المادة مبدأ تمكين الأم الحاضنة من الولاية التعليمية، باعتبارها الأقرب إلى شؤون الطفل اليومية، ما لم يثبت أن نقل هذه الولاية للأب أو لغيره يحقق مصلحة راجحة للمحضون، على أن يكون الفصل في ذلك بقرار مستعجل من القضاء.

ثانيًا: شروط الحاضن – مواءمة بين الكفاءة الأخلاقية والقدرة الفعلية

اشترط القانون في المادة (113) توفر جملة من الشروط الدقيقة في الحاضن، منها البلوغ، الأمانة، السلامة الجسدية والنفسية، وعدم وجود سوابق جنائية تمس العرض أو تُخل بالثقة. كما فرّق بين الذكر والأنثى من حيث متطلبات السكن والدين وظروف الإقامة، مع السماح باستثناءات تقديرية للمحكمة إذا اقتضت مصلحة المحضون خلافًا لذلك، وهو ما يعكس مرونة تشريعية محكومة بضوابط العدالة.

ثالثًا: الترتيب القانوني للحضانة وإعلاء مصلحة الطفل

كرّس القانون مبدأ أن الحضانة حق أصيل للطفل، وليست مجرد امتياز للوالدين، إذ وضعت المادة (114) ترتيبًا افتراضيًا يبدأ بالأم، ثم الأب، ثم أم الأم، فأم الأب، مع منح المحكمة سلطة الخروج عن هذا الترتيب متى ثبت لها أن مصلحة الطفل تقتضي خلاف ذلك. وهذا يعد تجسيدًا لمعيار “المصلحة الفضلى” كموجه حاكم لكل قرار قضائي في هذا السياق.

رابعًا: سقوط الحضانة واستعادتها – حماية استباقية لحقوق المحضون

نظم القانون في المادة (115) أسباب سقوط الحضانة بدقة، مثل الإخلال بالواجبات، أو الإقامة في مكان يضر بالمحضون، أو السلوك المشين، مع الإبقاء على الحق في استعادتها حال زوال المانع. كما حافظ على حق الأم في الحضانة حتى في حالة ترك بيت الزوجية، ما لم تتعارض مصلحة الطفل مع بقائها.

خامسًا: تنظيم السفر بالمحضون وضمانات العودة

أفردت المواد (116) و(117) أحكامًا تفصيلية لضبط مسألة السفر بالمحضون، فألزمت الحاضن بالحصول على موافقة خطية من الطرف الآخر، أو إذن قضائي مشروط بضمانات مالية، وحددت المدة القصوى للسفر بستين يومًا سنويًا، مع إمكانية التجاوز وفقًا لضرورات مُقدّرة قضائيًا. كما أتاحت للمحكمة الأمر بإبقاء جواز سفر الطفل بيد الحاضنة عند تعنت الولي، تعزيزًا لحسن النية وضمان الاستقرار.

سادسًا: أحكام الزيارة والإقامة وخيار المحضون

أولت المادة (121) اهتمامًا خاصًا بحق الطرف غير الحاضن في رؤية الطفل واستصحابه والمبيت معه، ضمن أوقات ومواقع تحددها المحكمة إذا لم يحصل اتفاق. وأبرز ما يميز القانون هو منح الطفل، ابتداءً من سن الخامسة عشرة، حرية اختيار الإقامة لدى أحد الوالدين، ما لم يُثبت أن هذا الاختيار يتعارض مع مصلحته (مادة 122)، بما يوازن بين إرادة المحضون ورعايته القانونية.

سابعًا: نهاية الحضانة واستمراريتها في حالات خاصة

حددت المادة (123) انتهاء الحضانة ببلوغ الطفل سن 18 عامًا، ولكنها نصّت على استمرارها إذا كان المحضون يعاني من إعاقة عقلية أو مرض يمنعه من الاعتماد على نفسه، مما يُظهر الحس الإنساني والاجتماعي الذي يميز القانون الجديد.

خاتمة: لقد أسّس قانون الأحوال الشخصية الإماراتي الجديد لمرحلة متقدمة من العدالة الأسرية، حيث لم تعد الحضانة مجرد ممارسة عرفية أو صراع قضائي، بل صارت نظامًا متكاملًا تهيمن عليه مصلحة الطفل باعتبارها معيارًا قانونيًا ملزمًا. وباعتماد مرونة قضائية محسوبة، ومعايير أخلاقية ومجتمعية متزنة، يقدم هذا القانون نموذجًا رائدًا في ميدان تشريعات الأحوال الشخصية على المستويين الإقليمي والدولي.


Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

wpChatIcon
wpChatIcon