مقدمة
في إطار الرؤية الطموحة لحكومة دبي الرامية إلى تعزيز البنية التحتية والتشريعية للإمارة، وضمان استدامة النمو العمراني والاقتصادي المتسارع، صدر مؤخرًا قانون تنظيم أنشطة المقاولات في إمارة دبي. جاء هذا القانون ليشكل نقلة نوعية في تنظيم قطاع حيوي وأساسي هو قطاع المقاولات، وليواكب المستويات العالمية في معايير السلامة والجودة والكفاءة التشغيلية، وليعكس في الوقت ذاته طموحات دبي لتكون نموذجًا عالميًا في إدارة وتطوير القطاع العمراني. وهذا القانون هو قانون تنظيم أنشطة المقاولات في إمارة دبي (قانون رقم 7 لسنة 2025) صدر بتاريخ 12 يوليو 2025،
تاريخ التطبيق الفعلي: يدخل القانون حيز التنفيذ بعد 6 أشهر من نشره في الجريدة الرسمية، أي تقريبًا منتصف يناير 2026، مع منح الشركة عام (يُجدد سنة واحدة) للتقيد بأحكامه.
أهمية القانون وأهدافه
يمثل قطاع المقاولات أحد الركائز الأساسية في اقتصاد دبي، حيث يسهم بجزء كبير من الناتج المحلي ويستقطب استثمارات ضخمة محلية وأجنبية، كما يرتبط ارتباطًا مباشرًا بالمشاريع العقارية واللوجستية والبنية التحتية.
وانطلاقًا من هذه الأهمية، يهدف القانون الجديد إلى:
- تنظيم أنشطة المقاولات وفق معايير واضحة تضمن جودة الأعمال والمخرجات.
- رفع كفاءة الشركات العاملة في القطاع وضمان تأهيلها المهني والفني.
- تعزيز مستوى السلامة في مواقع العمل والالتزام بالاشتراطات البيئية والصحية.
- زيادة التنافسية عبر تحفيز الشركات على الابتكار وتحسين الخدمات.
- التصدي للممارسات العشوائية أو غير النظامية التي قد تضر بمستوى المشاريع أو بالاقتصاد العام.
أبرز ملامح القانون
1. تحديد التصنيفات والاشتراطات
وضع القانون نظامًا واضحًا لتصنيف شركات المقاولات بناءً على حجمها، خبراتها، ومجالات تخصصها، بحيث يتم الترخيص وفق متطلبات كل فئة، مع مراعاة المؤهلات الفنية والإدارية لكل شركة.
2. إجراءات الترخيص والتجديد
نظم القانون إجراءات الحصول على تراخيص مزاولة أنشطة المقاولات وتجديدها، مع ربطها بالتزامات واضحة تتعلق بالامتثال للمعايير الفنية والبيئية، والوفاء بالالتزامات التعاقدية تجاه العملاء.
3. آليات الرقابة والمتابعة
منح القانون الجهات المختصة في الإمارة صلاحيات أوسع في مراقبة ومتابعة المشاريع، مع حقها في إصدار الجزاءات الإدارية ضد المخالفين، بما في ذلك الغرامات المالية، الإيقاف المؤقت، أو إلغاء الترخيص في حال المخالفات الجسيمة.
4. دعم الاستدامة والابتكار
ألزم القانون الشركات العاملة بمراعاة الاشتراطات البيئية، واعتماد تقنيات حديثة في البناء، بما يتماشى مع أهداف دبي في تحقيق التنمية المستدامة وتقليل الانبعاثات الكربونية.
5. حل النزاعات وتعزيز الشفافية
تضمن القانون أحكامًا لتعزيز الشفافية في العقود والالتزامات، وتحفيز اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل النزاعات، مثل التحكيم والوساطة، حفاظًا على استقرار القطاع وسرعة إنجاز المشاريع.
الأثر المتوقع على القطاع
من شأن القانون أن يرفع من مستوى جودة الأعمال والمشاريع المنفذة في الإمارة، وأن يسهم في جذب استثمارات جديدة للقطاع، نتيجة وضوح البيئة التشريعية وتوافر الضمانات القانونية للمستثمرين والمطورين. كما سيساعد على تحفيز شركات المقاولات لتطوير قدراتها البشرية والتكنولوجية، مما يعزز تنافسيتها في السوق الإقليمي والعالمي.
الأهداف والميزات الأساسية
- تصنيف واعتماد الشركات:
- اعتماد نظام موحد لتصنيف شركات المقاولات حسب الخبرات والمشاريع المالية والفنية، مع ربط الترخيص بهذا التصنيف
- إنشاء لجنة تنظيم وتطوير النشاطات:
- تشكل لجنة تسمى “لجنة تنظيم وتطوير أنشطة المقاولات”، برئاسة ممثل من بلدية دبي، وعضوية جهات حكومية، تختص بصلاحيات مثل المصادقة على الأنشطة، وتحديد الجهة المشرفة، ودراسة التنظيمات، والإشراف على تنفيذها، وحل النزاعات بين الجهات
- المنظومة الإلكترونية (السجل الموحد):
- بلدية دبي مسؤولة عن إنشاء نظام إلكتروني موحد للجهات، مرتبط بمنصة “استثمر في دبي”، يُعد سجلًّا مركزيًا للمقاولين، ويشمل إصدار شهادات اعتماد فني للكوادر الفنية، وبناء مدونة سلوك مهنية
- ضوابط صارمة للترخيص:
- فرضت قيودًا على المقاول بعدم تجاوز قدراته الفنية أو المالية، وعدم التعاقد من الباطن دون موافقة مسبقة. أي مخالفة تعتبر خرقًا يعرض للمساءلة قانونيًّا
- عقوبات رادعة:
- الغرامات المالية من 1,000 إلى 100,000 درهم، وتضاعف في حالة الإعادة حتى 200,000. كما تشمل العقوبات الإدارية مثل الإيقاف لفترة لا تزيد على سنة، وخفض التصنيف أو إلغائه، وحذف المقاول من السجل، ونزع التراخيص الفنية
- اعتماد الشفافية والتحكيم:
- زاد القانون من متطلبات الشفافية في التعاقدات وأقر تشجيع اللجوء للتحكيم والوساطة كآليات لحسم منازعات المقاولات.
المستجدات والتطورات
- إلغاء القوانين المتضاربة: يتم بموجب القانون إلغاء أي تشريع سابق يتعارض مع أحكام القانون الجديد.
- فترة السماح والتصحيح: سمح القانون للمقاولين القائمين بتسوية أوضاعهم خلال سنة (يمكن أن تُمدّ سنة إضافية)، مع إمكانية تجديد الرخصة بناء على التزامٍ خطي منهم بالامتثال لأحكام القانون
- تحديث نظام التصنيف الفني: تعمل بلدية دبي على تطوير تقييم شامل لشركات المقاولات والاستشارات الهندسية خلال 2026، مما يعزز مستوى التصنيف والكفاءة الفنية
الأثر الاستراتيجي
- رفع مستوى المهنية والجودة: من المتوقع أن يؤدي القانون إلى تعزيز معايير التنفيذ والسلامة، وعودي شركات مقاولات أفضل تقنياً وإدارياً.
- جذب استثمارات نوعية: يوفر القانون بيئة قانونية واضحة وجديرة بالثقة للمستثمرين الأجانب والمحليين.
- تعزيز التنمية المستدامة: من خلال الالتزام بالمعايير البيئية والتقنيات الحديثة في البناء.
- ثقة أصحاب المشاريع: يمنح ضمانات واضحة لطرفي العقد، مما يخفف النزاعات ويعزز سرعة الإنجاز.
توصية
من الضروري أن تبادر شركات المقاولات إلى الاطلاع على نصوص القانون ولائحته التنفيذية، وأن تعمل على مواءمة أوضاعها الداخلية مع أحكامه، لضمان استمرار أعمالها بسلاسة، والمساهمة الفاعلة في مسيرة دبي التنموية.
- تنصح كافة شركات المقاولات بإجراء مراجعة داخلية شاملة لوضعها القانوني، وضبط عملياتها حسب التصنيف الممنوح.
- التأكد من تسجيل جميع الفنيين في السجل والحصول على شهادة الكفاءة المطلوبة.
- اعتماد نظام داخلي للترخيص والإشراف على التعاقد من الباطن للحصول على الموافقات الضرورية.
- الاستعداد لفترة المراجعة والتصحيح ضمن الإطار الزمني المحدد لتجنب العقوبات.
خاتمة
يشكل قانون رقم 7 لسنة 2025 قفزة تشريعية في تنظيم قطاع المقاولات بدبي، ويعزز مصداقية الإمارة في إدارة المشاريع العمرانية والاقتصادية. من المقترح أن تتبنى الشركات والممارسون هذا القانون بكل شمول وأن يعززوا مبادرات الترجمة والتنفيذ المبكر لضمان الاستفادة الكاملة من هذا النظام القانوني المتطور.
ويأتي صدور قانون تنظيم أنشطة المقاولات في دبي استجابة واعية للتحديات الحالية والمستقبلية التي يواجهها قطاع البناء والتشييد، ويجسد التزام الإمارة بتطوير بيئة أعمال عصرية وآمنة ومستدامة. إن هذا القانون يمثل إضافة نوعية إلى المنظومة التشريعية في دبي، ويعكس حرص قيادتها الرشيدة على تحقيق التوازن بين الطموح العمراني الكبير وضمان أعلى معايير الجودة والسلامة في التنفيذ.