مقدمة

يُعد عقد الهبة من التصرفات القانونية ذات الطابع الإحساني، التي تنبع من الكرم والرغبة في التبرع، دون مقابل. وقد أولت الشريعة الإسلامية اهتمامًا خاصًا بعقد الهبة، نظرًا لما له من أثر اجتماعي واقتصادي، كما نظمه المشرّع الإماراتي ضمن قانون المعاملات المدنية رقم (5) لسنة 1985 وتعديلاته. ومع صدور القانون الاتحادي رقم 50 لسنة 2022 بشأن المعاملات المدنية، تعزز الإطار القانوني للهبة ليتماشى مع التطورات المجتمعية والاقتصادية في الدولة.

أولاً: تعريف الهبة ومشروعيتها في الشريعة الإسلامية

الهبة في اللغة تعني العطية بلا عوض، وفي الاصطلاح الفقهي تُعرف بأنها: تمليك مالٍ معلومٍ لآخر في الحياة بلا عوض. وقد ثبتت مشروعيتها في القرآن الكريم والسنة النبوية، ومن ذلك قوله تعالى:

“وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً” (النساء: 4)

وقوله ﷺ:

“تهادوا تحابّوا”

وقد اتفق الفقهاء على جواز الهبة، ولكنهم اختلفوا في بعض شروطها، مثل مسألة قبض الموهوب له للمال الموهوب، وما إذا كانت الهبة لازمة أو قابلة للرجوع.

ثانيًا: خصائص عقد الهبة في القانون الإماراتي

نظم القانون الإماراتي عقد الهبة ضمن الباب السادس من قانون المعاملات المدنية، وحدد خصائصه وشروطه على النحو التالي:

  1. عقد رضائي: يتم باتفاق الطرفين، ولا يشترط فيه شكل معين، إلا إذا ورد على عقار.
  2. بلا مقابل: جوهر الهبة هو التبرع، ويُعد وجود مقابل مادي مخلًا بجوهرها، مما يغير طبيعتها القانونية.
  3. قبول الموهوب له: لا تتم الهبة إلا بقبول المتبرع له، وهو ما أكده نص المادة (603) من قانون المعاملات المدنية.
  4. القبض شرط للنفاذ: لا تترتب آثار الهبة إلا بعد القبض الفعلي أو الحكمي للمال الموهوب.

ثالثًا: الهبة العقارية ومتطلبات التسجيل

من أهم التعديلات في التشريعات الحديثة، خاصة في ضوء قانون المعاملات المدنية الجديد رقم 50 لسنة 2022، هو تأكيده على عدم نفاذ الهبة العقارية إلا بالتسجيل الرسمي في الدوائر المختصة، حمايةً للثقة العامة في السجل العقاري، ودرءًا للتحايل.

وقد شددت دائرة الأراضي والأملاك في دبي وسلطات التوثيق العقاري في باقي الإمارات على ضرورة توثيق عقود الهبة العقارية أمام الكاتب العدل، مع اشتراط ألا تكون الهبة مشروطة بعوض أو مقابل.

رابعًا: الرجوع في الهبة وشروطه

بخلاف العقود الملزمة للجانبين، فإن الهبة قابلة للرجوع فيها قبل القبض، أما بعد القبض، فلا يجوز الرجوع فيها إلا بموجب حكم قضائي، وفي حالات محددة أوردها القانون، منها:

ويُمنع الرجوع في الهبة إذا كانت بين الأصول والفروع، أو إذا مات أحد الطرفين.

خامسًا: الهبة المشروطة بعوض

الهبة التي يشترط فيها الواهب على الموهوب له أداء معين (كالنفقة، أو بناء مسجد، أو رد الجميل) تتحول إلى ما يُعرف بـ الهبة بعوض، والتي تُعامل في بعض الحالات كعقد معاوضة، ولا تخضع لأحكام الرجوع في الهبة البسيطة.

سادسًا: أحكام انتقال الملكية والضمان

ينتقل ملك المال الموهوب إلى الموهوب له بمجرد إتمام القبض والتسجيل إن كان المال عقارًا، وتُطبق في ذلك أحكام الملكية العامة، ولا يسأل الواهب عن أي ضمانات مالم يكن هناك تدليس أو إخفاء للعيوب.

خاتمة يُبرز عقد الهبة التوازن الدقيق بين القيم الإنسانية والتشريعات القانونية، ويؤكد على سعي المشرّع الإماراتي لمواءمة أحكام الشريعة الإسلامية مع مقتضيات الحياة العصرية، من خلال تحديث وتطوير الأطر القانونية بما يحقق العدالة ويوفر الحماية للطرفين. ويُنصح دومًا بتوثيق الهبات، وخاصة العقارية منها، والالتزام بالإجراءات الشكلية لضمان صحتها ونفاذها، وتفادي المنازعات مستقبلاً.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

wpChatIcon
wpChatIcon